العلاقة الزوجية هي علاقة متعددة الجوانب، بمعنى أنها علاقة جسدية, عاطفية, عقلية, اجتماعية وروحية,
ومن هنا:
وجب النظر
إلى كل تلك الأبعاد في الحياة الزوجية بتوازن وايجابية وشمولية؛
فلا نهمل أي جانب،
أو يطغى جانب على أخر؛ لأنها علاقة يفترض
فيها أن تكون مستمرة،
وهى ليست قاصرة على الحياة الدنيا فقط، وإنما قد تمتد أيضاً للحياة الآخرة.
لذا كانت الحياة الزوجية: علاقة متينة، ورابط قدسي بين
الزوجين، أساسه المودة والرحمة والتفاهم، والمشاركة النفسية والوجدانية بينهما.
يقول الله جل وعلا في كتابه الكريم: “هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا؛ لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا، فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ، فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ” ( الأعراف : 189).
يقول سيد قطب في الظلال مفسِّراً الخلق من نفس واحدة والسكن في هذه
الآية: ” فهي نفس واحدة في طبيعة تكوينها،
وإن اختلفت
وظيفتها بين الذكر والأنثى،
وإنما هذا الاختلاف
ليسكن الزوج إلى زوجه ويستريح إليها،
وهذه هي نظرة الإسلام لحقيقة الإنسان ووظيفة الزوجية في تكوينه”.
إن ما نعرفه عن الزواج وعن دور الزوجين:
هو في الحقيقة ما تعلمناه بشكل عفوي وغير موجه؛
وذلك من خلال ملاحظة من ولنا من الوالدين والأقارب والأصدقاء ووسائل الإعلام،
وبعضها يعطينا صورة مشوهة عن الزواج،
لا تتفق مع الإسلام الذي تكون فيه صورة الرجل والمرأة: صورة حيوية، تقوم على التفاهم والتعاضد والاحترام
كما قال الله تعالى “والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض” سورة التوبة.
إن لكل إنسان شخصيته المميزة رجلا أو امرأة، ونظرته الخاصة إلى الحياة،
وهذا الاختلاف ليس صفة مذمومة أو قبيحة؛
بل على العكس،
فالاختلاف من سنن الحياة؛ وبما أنه كذلك: فعلى الزوج والزوجة أن يتوقعاه،
ومن ثم يتقبلاه فلا يغضب الزوج عندما يرى زوجته ترى رأيا مخالفا له. وكذلك لا تشعر الزوجة بالإحباط والتذمر من زوجها عندما يفسر الأمر مختلفا عنها.
إن تقبل الاختلاف لا يعني أن وجهة نظر الزوج أقل أهمية من زوجته أو العكس؛
وإنما على الزوجين أن يتقبلا الاختلاف حتى لا تصاب الحياة الزوجية بالإحباط واليأس من عدم اتفاق الزوج والزوجة في كل شيء.
وهذا التقبل نوع من التنازل الجميل بين الزوجين، فقد يتمسك الزوج بأفكاره وآرائه ونظرته للأمور،
وفي الوقت نفسه يبدي الاحترام والتقدير والتفهم لأراء زوجته.
وكذلك قد تحتفظ الزوجة بأفكارها وفي نفس الوقت تبدي الاحترام والتقدير والرضا لأراء زوجها.
فلا تسفهه أو تنقص من قدره..
فالحياة رغم بساطتها إلا إنها أحيانا تبدو شديدة التعقيد؛
فلا يمكن للزوج أن يفعل ما يريد وقتما يريد.
وكذلك تلتبس على الزوجة الأمور، حيث لا يقوم الزوج بالأشياء التي تريدها؛
لذا كان لا بد من التنازل عن بعض الحقوق.
والتنازل ليس نقصا أو تقليلا من شأن المتنازل أو قبحا في صفاته؛
بل على العكس: هو قوي بإرادته التي جعلته يتنازل عن شيء؛ مقابل تحقيق نتيجة إيجابية.
فكلما تنازل الزوج أو الزوجة عن حاجاته، سواء كان التنازل في نتائج الجدال والنقاش والأمور الفكرية،
أو الأمور المادية، كقطعة حلوى واحدة بيد الزوج يتركها لزوجته:
كلما كان أقدر على تحصيل الرضا من الله، و تلقي الحب من الطرف الآخر.
وهنا تكمن الشجاعة في قوة الاختيار بين ما يريد الزوج، وما تريده الزوجة.
وهذه الشجاعة تدل على حب المتنازل لذاته ولمن معه،
فهو ليس أنانيا أو معاندا إذ إن العناد والتصلب والجمود وعدم المرونة تخنق الأسرة وتدمرها،
وتجعل المناخ معكرا،
فلا مودة ولا حب ولا حنان؛
وإنما صراع وجدال بلا ثمرة من ورائه، ووضع للكبرياء في غير محله،
وتحقيق لانتصارات زائفة
لا مكان لها إلا في عقل صاحبها.
لا تنسوا فلسطين من دعائكم